سورة سبأ - تفسير تيسير التفسير

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (سبأ)


        


سبأ: منطقة واسعة شرقي اليمن كان بها مملكة مدينتُها مأرب. آية: علامة. جنتان: بستانان. سيل العرم: سيل المطر الشديد، والعرم: السد الذي يمسك الماء. الأكُل: الثمر، والرزق الواسع. الخَمط: المُر من كل شيء، ونوع من شجر الأراك. الأثل: الطفراء لا ثمر له. السِدر: شجر بري يحمل ثمراً يقال له النبق، يؤكل. القرى التي باركنا فيها: هي قرى بلاد الشام. مزّقناهم كل ممزق: فرقناهم في البلاد. سلطان: تسلُّط.
لقد كان لأهل سبأ في مسكنهم بالمين علامة دالة على قدرتنا.... كان لهم حديقتان واسعتان تحفّان ببلدهم عن اليمين والشمال، وقد أرسل الله اليهم الرسل تأمرهم ان يأكلوا من رزق ربهم ويشكروه على هذه النعم الجليلة، ففعلوا إلى حين. ثم إنهم اعرضوا، فعاقبهم الله بإرسال سيل العرِم عليهم، فهدم السدَّ وخرّبه وذهب بالجنتين والبساتين، واهلك الحرثَ والنسل، وبدلهم بجنتيهم المثمرتين بساتين فيها من الشجر البرّي الذي لا ثمر له، وشيئاً قليلاً من السدر يثمر النبق لا غناء فيه.
ذلك هو الجزاء الذي جازاهم اياه الله بكفرهم النعمة وعدم شكرها {وَهَلْ نجزي إِلاَّ الكفور}.
كان سد مأرب من أعظم السدود التي تجمع المياء في المين، وكان يسقي مساحة كبيرة قرها المؤرخون والخبراء بنحو ثلاثمئة ميل مربع.
وكانت مدينة مأرب أغنى المدن القديمة في جنوب شبه الجزيرة العربية ومن أهم المراكز لحضارةٍ وثقافة قديمتين، يرجع تاريخهما إلى ما قبل ثلاثة آلاف عام مضت. وكانت محطةَ استراحة لرحلات طويلة لقوافل التصدير التي كانت تنقل المنتجاتِ الزراعيةَ والصناعية كالبخور واللبان والدارصيني والمُرَ والقرنفل والبلسم وسائر العطور، وكذا الصمغ والقرفة ثم الاحجار الكريمة، والمعادن.... وعلى مسافة كيلومترين إلى الجنوب من مدينة مأرب يقول احد روائع الفن اليمني القديم وهو معبد (المقه)، ومعناه في لغة سبأ (الإله القمر)، ويطلق عليه المؤرخون: عرش بلقيس. وهو بناء ضخم على شكل مثلث لا يزال محتفظا برونقه الزاهي ومظهره المصقول، ويبلغ قُطره نحو الف قدم، ولا تزال بعض أعمدته قائمة حتى اليوم.
ولا تزال آثار السد باقيةً إلى الآن، ويرجع تاريخ بنائه إلى ما قبل 2700 عام، وقد بناه سبأ الأكبر حفيد جد العرب: يعرب بن قحطان. (ملخص عن اليمن عبر التاريخ).
{وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ القرى التي بَارَكْنَا فِيهَا....}
{وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها....}
وجعلنا بين مسكنهم بالمين والقرى التي باركنا فيها قرىً متقاربة متراصّة، وكانوا في نعمة وغبطة عيش هنيء في بلاد مرضيّة مع كثرة اشجارها وزروعها وخيراتها، حتى إن المسافر لا يحتاج إلى حملِ زادٍ ولا ماء، حيث نَزَلَ وجَدَ ماء وثمرا، وقلنا لهم: {سِيرُواْ فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ} متمتعين بهذه النعم.
فبطروا وملّوا تلك النعم، {فَقَالُواْ رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وظلموا أَنفُسَهُمْ}
اذ عرّضوها للسخط والعذاب، بنكران النعمة وعدم الوفاء بشكرها، فجلعناهم احاديث للناس، وفرقناهم مشتتين في البلاد حتى صار يضرب بهم المثل فيقال: (تفرّقوا أيدي سبأ) أي: متفرقين كأهل سبأ، وأيدي: تعني طُرقا، ومن معاني اليد: الطريق.
ونزلت قبيلة غسان في حوران وأنشأت دولة الغساسنة، وكانت عاصمتهم بُصرى، وعدد ملوكهم 32 ملكا أولهم جفنة بن عمرو وآخرهم جَبَلَة بن الأيهم. (اولاد جفنة بالزمان الأول). ونزلت قبيلة لَخْم في الحِيرة من ارض العراق واقامت دولة المناذرة. ونزلت قبيلة كِندة في نجد، وبعضهم ذهب إلى حضرموت، واسسوا دويلات اليمن عبر التاريخ.
{إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ}
ان فيما حلّ بهؤلاء من النعمة والعذاب عظاتٍ لكل صبّار على البلاء، شكور على النعم والعطاء.
{وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فاتبعوه إِلاَّ فَرِيقاً مِّنَ المؤمنين}
ولقد حقق ابليس ظنه عليهم فأطاعه من كفر، وعصاه قليل من المؤمنين. فبقوا في بلادهم آمنين.
{وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بالآخرة مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفُيظٌ}.
ما كان لإبليسَ عليهم من سلطاة وقوة يخضعهم بها، ولكن الله امتحنَهم ليَظْهَرَ من يصدّق بالآخرة ممن هو في شك منها، وربك ايها الرسول حفيظٌ على كل شيء، لا يعزُب عن علمه صغير ولا كبير.
قراءات:
قرأ أبو عمر: {ذواتَي أكلِ خمطٍ} بالاضافة. الباقون: {ذواتي أكلٍ خمط} بالتنوين. قرأ حمزة ويعقوب والكسائي وحفص: {هل نجازي الا الكفورَ} {نجازي} بالنون، وبنصب {الكفور}. والباقون: {هل يجازي الا الكفورُ}، {يجازى} بالياء مبني للمجهول و{الكفور} مرفوع. وقرأ أبوعمرو وابن كثير وهشام: {ربنا بعّد بين اسفارنا}، وقرأ يعقوب: {باعدَ} فعل ماضي، والباقون: {باعدْ بين اسفارنا}. وقرأ أهل الكوفة: {ولقد صدّق ابليس} بتشديد الدال المفتوحة، والباقون {صدَق} بفتح الدال من غير تشديد.


ادعوا: نادوا. من شِرك: من شركة. من ظهير: معين. فزع عن قلوبهم: ذهب الخوف من قلوبهم. اجرمنا: اذنبنا. يفتح بيننا: يحكم بيننا. الفتّاح: الحاكم.
قل أيها الرسول لهؤلاء المشركين: ادعوا هؤلاء الأصنام فليجلبوا إليكم نفعاً أو يدفعوا عنكم ضرا، إنهم لا يملكون وزن ذرةٍ من الهباء في السموات ولا الأرض، وما لهم فيهما من شِركة، وليس لله من هؤلاء الآلهة المزعومة من يعينه على تدبير شئون خلقه.
ولا تنفع الشفاعة عند الله الا لمن يأذَن له ان يشفع عنده، فالشفاعة مرهونةٌ بإذن الله، والله لا يأذن في الشفاعة في غير المؤمنين.
اما الذين جحدوا وأشركوا بالله فليسوا أهلاً لان يأذن بالشفاعة فيهم.
ثم بعد ذلك بيَّن المشهد الذي تقع فيه الشهادة فقال: {حتى إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُواْ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُواْ الحق وَهُوَ العلي الكبير}.
وهذا يوم القيامة، اذ يقف الناس وينتظر الشفعاء والمشفعوع فيهم ان يأذن الله بالشفاعة لمن ينالون هذا المقام، حتى إذا ذهب الفزع عن قلوبهم قال بعضهم لبعض: ماذا قال ربكم في الشفاعة؟ قالوا: قالاو الحق، وهو الإذن بالشفاعة لمن ارتضى، وهم المؤمنون.
{وَهُوَ العلي الكبير} صاحب العلو والكبرياء، يأذن ويمنع من يشاء كما يشاء.
قل ايها النبي: من يأتيكم برزقكم من السماء والأرض، فان قالوا: لا ندري، قل لهم: الله وحده هو الذي يرزق الجميع، وإنا معشرَ المؤمنين أو أنتم معشر المشركين- لعلى أحدِ الأمرين من الهدى أو الضلال الواضح المبين.
ثم قل لهم ايها الرسول: إنكم لا تُسألون عما ارتكبناه من ذنوب، ونحن لا نُسأل عما تعملون. وقل لهم: الله يجمع بيننا وبينكم يوم القيامة ويقضي بيننا بالحق، وهو الحاكم في كل أمرٍ، العليم بحقيقة ما كان منا ومنكم، وهو خير الحاكمين.
وقل لهم ايها الرسول: أروني هؤلاء الذي عبدتموهم وجعلتموهم شركاءَ مع الله وهم لا يستحقون!
{كَلاَّ بَلْ هُوَ الله العزيز الحكيم}
ليس الأمر كما وصفتم، فلا نظيرَ له تعالى والذين عبدتموهم لا يستحقون العبادة فهو ذو العزّة المنفر بها، والحكيم في تدبيره للأمور وتصريفه.
قراءات:
قرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي: {لمن أُذن له} بضم الهمزة. والباقون: {أَذن} بفتح الهمزة. وقرأ ابن عامر ويعقوب: {اذا فَزَع} بفتح الفاء والزاي، والباقون: {اذا فُزع} بضم الفاء وكسر الزاي.
{وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَآفَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً}
في هذه الآيات الكريمة يبيّن الله ان رسالة سيدنا محمد عامةٌ للناس أجمعين، جاء مبشراً من أطاع بالثواب العظيم، ومنذِرا من عصا بالعذاب الأليم.
{ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ}، وهذا الجهل يحملهم على الإصرار على ما هم فيه من الضلال.
{وَيَقُولُونَ متى هذا الوعد إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}
تقدمت هذه الآية بالنص في سورة يونس 48.
قل لهم ايها الرسول: لا تستعجِلوا، ان لكم ميعاد يوم عظيم، لا تستأخرون عنه ساعة ولا تستقدمون. وان هذا اليوم كائنٌ لا محالة.


يرجع بعضهم إلى بعض القولَ: يتحاورون ويرد بعضهم على بعض. أندادا: نظراء، جمع ند. يقال هو نده ونديده: مماثل له. وأسرّوا: أخفوا. الاغلال: قيود الاعناق.
وقال المشركون: لن نؤمن بهذا القرآن ولا بالكتب التي سبقته. ولو ترى ايها الرسول موقفَ هؤلاء الظالمين يوم القيامة، ففيه يتحاور المشركون ويكذّب بعضهم بعضا، ويتلاومون على ما كان بينهم.
يقول الأتباع لسادتِهم وكبرائهم: لولا أنّكم صددتمونا عن الهدى لكنا مؤمنين بما جاء به الرسول. فيرد عليهم الذين استكبروا في الدنيا وكانوا رؤوس الكفر والضلال: أنحنُ منعناكم من اتّباع الحق! بل انتم أجرمتم وآثرتم الكفر على الايمان.
ثم يقول المستضعَفون: ما صدَّنا عن الإيمان الا مكركم ايها الرؤساء بالليل والنهار، اذ تأمروننا بالكفر بالله وان نجعل له شركاء وامثالاً.
وعند ذلك يندمون على ما عملوا ولا ينفعهم الندم {وَجَعَلْنَا الأغلال في أَعْنَاقِ الذين كَفَرُواْ}، وهذا جزاء الظالمين الجاحدين.

1 | 2 | 3